العوام والخوض في المجالات السياسية: خطر الجهل في ميدان معقّد

حلا حميد
‏في عالم السياسة، لا تكفي النوايا الحسنة ولا الآراء العابرة لصناعة فهم صحيح أو موقف واعٍ. السياسة ميدان متشابك، مليء بالتفاصيل والخلفيات التاريخية، والارتباطات الاقتصادية، والمصالح المتقاطعة، وهو أشبه بساحة شطرنج يتحرك فيها اللاعبون وفق خطط مدروسة، لا وفق ردود فعل لحظية أو انطباعات عامة.

‏عندما يخوض العوام في القضايا السياسية دون معرفة كافية أو إلمام بخلفيات الأمور، تتحول النقاشات إلى بيئة خصبة للشائعات، والمعلومات المضللة، والخطابات العاطفية التي تُستغل بسهولة من قبل أصحاب الأجندات. هنا يكمن الخطر الأكبر: أن يصبح الجهل أداة في يد من يتقن توجيه الرأي العام نحو أهدافه الخاصة.

‏المشاركة السياسية مسؤولية، وليست مساحة للتسلية أو استعراض المواقف أمام الآخرين. إبداء الرأي في ملفات مصيرية يتطلب فهمًا للتاريخ، وإدراكًا للعلاقات الدولية، واطلاعًا على مصادر موثوقة، مع القدرة على تحليل الأحداث بعيدًا عن الانفعالات والتحيزات.

‏إن غياب هذه المعايير عند كثير من العوام لا يؤدي فقط إلى نشر المغالطات، بل يساهم كذلك في خلق حالة من الفوضى الفكرية التي تصب في مصلحة القوى الساعية لتقسيم المجتمع وإشغاله عن القضايا الحقيقية.

‏ولذلك، فإن الحكمة تقتضي أن يلتزم الفرد حدود معرفته، وألا يخوض في ميدان السياسة إلا بعد أن يملك أدوات الفهم والتحليل. فكما أن الجهل في الطب قد يقتل الجسد، فإن الجهل في السياسة قد يقتل مستقبل الأمة.

زر الذهاب إلى الأعلى