تطبيقات التحول الرقمي البيئية خطوة باتجاه تحقيق الاستدامة
تطبيقات التحول الرقمي البيئية خطوة باتجاه تحقيق الاستدامة
بقلم المعتز حكمت السعد
التغيرات المناخية تُعتبر واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في العصر الحالي، وهي لا تقتصر على التحديات البيئية فحسب، بل تمتد آثارها إلى جميع الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، والصحية. تنبع هذه الظاهرة من تداخل معقد بين العمليات الطبيعية والتدخل البشري المكثف، حيث أدت الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، والزراعة الصناعية إلى ارتفاع كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان. هذا الارتفاع تسبب في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تؤدي بدورها إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتغير أنماط المناخ بشكل يهدد استقرار الكوكب.
ومن النتائج المترتبة على التغيرات المناخيةعلى المستوى البيئي مثلا” تؤدي هذه التغيرات إلى ظواهر متطرفة مثل الفيضانات المدمرة، الجفاف الطويل الأمد، العواصف الشديدة، وحرائق الغابات واسعة النطاق. هذه الكوارث الطبيعية تُحدث خللاً في التوازن البيئي، مما يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي وتدهور المواطن الطبيعية للكائنات الحية. بالإضافة إلى ذلك، يتسبب ذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستوى سطح البحر في تهديد المجتمعات الساحلية والبنية التحتية في العديد من البلدان، مما يزيد من الحاجة إلى استثمارات ضخمة لحمايتها.
وفي ظل هذه التحديات، أصبحت الرقمنة والتحول الرقمي جزءًا لا يتجزأ من الجهود العالمية لمعالجة التغيرات المناخية. الرقمنة تُعد أداة متعددة الإمكانات تتيح تحسين كفاءة إدارة الموارد الطبيعية، تقليل الأثر البيئي، وتحقيق استدامة العمليات في مختلف القطاعات. على سبيل المثال، في مجال الزراعة، تسهم التقنيات الرقمية مثل إنترنت الأشياء (IoT) والطائرات بدون طيار في جمع البيانات المتعلقة بالتربة، الرطوبة، والاحتياجات الغذائية للمحاصيل. هذه البيانات تُحلل باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتوفير توصيات دقيقة للمزارعين حول كيفية استخدام الموارد بكفاءة مما يقلل من الهدر ويحسن الإنتاجية الزراعية.
وفي المدن تلعب الرقمنة دورًا محوريًا في تطوير ما يُعرف بالمدن الذكية. تعتمد هذه المدن على تقنيات رقمية متقدمة لتحسين جودة الحياة وتقليل التأثيرات البيئية. على سبيل المثال، تُستخدم أنظمة النقل الذكية لإدارة حركة المرور بكفاءة، مما يقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن ازدحام السيارات. كما تُساهم تقنيات الإضاءة الذكية، التي تعتمد على تحليل البيانات في الوقت الحقيقي، في تقليل استهلاك الطاقة من خلال تشغيل الأنظمة فقط عند الحاجة.
وفي قطاع الطاقة تُظهر الرقمنة إمكانيات هائلة في دعم استخدام الطاقة المتجددة. تُستخدم أدوات تحليل البيانات الضخمة لتحسين كفاءة محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، من خلال التنبؤ بالطلب وإدارة توزيع الطاقة بكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، تُساهم الرقمنة في تعزيز الشفافية في قياس انبعاثات الكربون وتقديم تقارير دقيقة عنها، مما يساعد الحكومات والشركات على الالتزام بالمعايير البيئية الدولية وتقليل بصماتها الكربونية.
وموضوع الرقمنة لا يقتصر على تحسين الكفاءة التشغيلية، بل تُعتبر أيضًا عاملاً حاسمًا في تحقيق العدالة المناخية من خلال إتاحة تقنيات متقدمة وبتكلفة ميسورة، يمكن للدول النامية والمجتمعات الهشة التكيف مع التغيرات المناخية وتقليل تأثيراتها. على سبيل المثال، تُتيح أنظمة الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية إمكانية تنبيه السكان المحليين قبل وقوع الكوارث، مما يقلل من الخسائر البشرية والمادية. علاوة على ذلك، تُساعد الحلول الرقمية في تمكين هذه المجتمعات من استخدام مواردها بشكل أفضل، مما يعزز قدرتها على مواجهة التحديات البيئية.
التحول الرقمي:
يشير التحول الرقمي إلى عملية دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب العمل والمجتمع، مما يؤدي إلى تغييرات جذرية في كيفية تقديم الخدمات، وإدارة العمليات، وتعزيز التواصل. ولا يقتصر التحول الرقمي على تغيير الأدوات والأنظمة فقط بل يشمل أيضًا تغييرات ثقافية وتطوير المهارات وطرق جديدة للتفاعل مع العملاء والجمهور. يهدف التحول الرقمي إلى تحقيق كفاءة أعلى، وتقديم تجارب مبتكرة، وتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق العالمية ويعد ركيزة أساسية لتحقيق استدامة مستقبلية في ظل التحديات البيئية والاقتصادية المتزايدة .
ويعد التحول الرقمي من أبرز التطورات التكنولوجية التي تمكّن المؤسسات والحكومات من تحسين أدائها وتعزيز قدرتها على الاستجابة للتغيرات السريعة. وقد أوضحت شركة هواوي بالتعاون مع ديلويت أهمية التحول الرقمي في تحسين القطاع العام في الشرق الأوسط، مشيرين إلى أن هذه العملية تُعزز من الكفاءة التشغيلية وتساهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.
مجالات التحول الرقمي البيئية:
إدارة الموارد الطبيعية:
إدارة الموارد الطبيعية بواسطة التحول الرقمي تتضمن استخدام تكنولوجيا المعلومات لتتبع استهلاك الموارد وتحليل البيانات المتعلقة بها، مما يساعد على تحسين كفاءة الاستخدام. تُستخدم تقنيات مثل إنترنت الأشياء (IoT) في مراقبة استهلاك المياه والطاقة بشكل دوري، وتطبيقات الاستشعار المتقدمة لتحديد متطلبات الري الزراعي في الوقت الفعلي، مما يسهم في تقليل الهدر وتعزيز الإنتاجية.
نظم المعلومات الجغرافية (GIS):
تساهم نظم المعلومات الجغرافية في رصد التغيرات البيئية والمناخية عبر صور الأقمار الصناعية والتحليل المكاني للبيانات البيئية. وفقاً لدراسة حول “التحول الرقمي والتنمية المستدامة في المجال البيئي”، تعمل نظم المعلومات الجغرافية على دعم اتخاذ القرارات البيئية المتعلقة بحماية الموارد الطبيعية والحد من تلوث الهواء والماء من خلال توفير بيانات دقيقة تسهم في تخطيط الموارد
التكنولوجيا الخضراء والنمو الأخضر:
التحول الرقمي يدعم أيضاً مفهوم “النمو الأخضر”، وهو مصطلح يشير إلى النمو الاقتصادي المستدام الذي يقلل من استخدام الموارد الطبيعية ويحد من التلوث. وتوضح دراسة بعنوان “النمو الأخضر كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة” أن التحول الرقمي يتيح للحكومات والمؤسسات تطبيق تقنيات تقلل من استهلاك الموارد وتحسن من كفاءة الإنتاج، مثل استخدام الطاقة المتجددة في عمليات التصنيع، مما يعزز من مفهوم الاستدامة.
الاقتصاد الدائري وإعادة التدوير:
يمكن للتحول الرقمي أن يدعم الاقتصاد الدائري، الذي يركز على إعادة استخدام الموارد وإعادة تدويرها بدلاً من استهلاكها بشكل متسارع. تساعد تطبيقات التحول الرقمي في تتبع النفايات وإعادة توجيهها إلى مصانع إعادة التدوير بفعالية، كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد المواد القابلة لإعادة التدوير وتصنيفها بشكل أوتوماتيكي في مراكز إعادة التدوير .
إدارة الكوارث البيئية:
يمكن للتحول الرقمي تحسين الاستجابة للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وحرائق الغابات من خلال تطبيقات الإنذار المبكر التي تستخدم البيانات الضخمة والتنبؤات الجوية. ووفقاً لدراسة “حلول مناخية رقمية”، يتم استخدام تكنولوجيا الاتصالات لرصد الظواهر الجوية المحتملة وإصدار تحذيرات مبكرة للمجتمعات، مما يقلل من تأثير الكوارث على البيئة والبشر:
تحقيق كفاءة الطاقة: يسهم التحول الرقمي في رفع كفاءة استهلاك الطاقة، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري. مثال على ذلك تطبيقات “البناء الذكي” التي تساعد في تقليل استهلاك الطاقة من خلال أنظمة التدفئة والتبريد الذكية.
تقليل البصمة الكربونية: يساعد التحول الرقمي على تقليل الانبعاثات من خلال الاعتماد على العمليات الإلكترونية بدلًا من الورقية، إضافة إلى تحسين النقل عبر تخطيط ذكي يقلل من استهلاك الوقود
دعم الزراعة المستدامة: بفضل التحول الرقمي، أصبحت هناك طرق متطورة لمراقبة وإدارة المحاصيل بشكل أفضل، مما يقلل من استخدام الأسمدة والمبيدات الضارة، ويزيد من الإنتاجية الزراعية.
دور شركات الهاتف النقال والجيل الخامس (5G) وعلاقته بالاستدامة:
تمثل التكنولوجيا الرقمية وشبكات الجيل الخامس (5G) نقطة تحول كبيرة في طريقة التواصل وإدارة الموارد. وقد توفرشبكات 5G سرعات اتصال فائقة وزمن استجابة منخفض، مما يتيح إمكانيات جديدة للاستخدامات في الزراعة الذكية، المدن الذكية، والطاقة المستدامة.
مساهمة 5G في تحقيق الاستدامة:
• خفض انبعاثات الكربون: تقنيات 5G تدعم تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عبر إدارة الموارد بذكاء. تقرير “Huawei and Deloitte” أوضح أن 5G تساهم في تحسين كفاءة الطاقة بفضل تقنيات الاتصال الذكية.
• الزراعة الذكية: يمكن استخدام 5G في مراقبة المحاصيل والتربة بشكل لحظي، مما يقلل من استهلاك المياه والمواد الكيميائية..
• إدارة الطاقة: تعمل الشبكات الذكية المدعومة بتقنيات 5G على تحسين توزيع الطاقة وتقليل الهدر، مما يدعم التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون..
• تحسين استدامة المدن الذكية:
• تدعم شبكات 5G البنية التحتية للمدن الذكية عبر تحسين إدارة حركة المرور، تقليل التلوث، وتحسين كفاءة استهلاك الموارد مثل المياه والكهرباء.
التحديات والفرص:
التحديات: تشير تقارير البنك الأوروبي للاستثمار إلى ضرورة تحسين التشريعات لدمج الرقمنة والاستدامة بشكل أوسع، مع معالجة الفجوات في البنية التحتية في بعض المناطق
الفرص: يساهم 5G في تطوير حلول مبتكرة لمشاكل بيئية مثل الحد من انبعاثات النقل من خلال التوسع في استخدام السيارات ذاتية القيادة المدعومة بشبكات 5G
التحديات والمبادرات:
التحديات:
استهلاك الطاقة في مراكز البيانات التي تدعم 5G يشكل تحدياً بيئياً كبيراً، إذ تستهلك مراكز البيانات العالمية نحو 1.3% من إجمالي الكهرباء في العالم.
المبادرات الداعمة:
أطلقت بعض الدول مثل كوريا الجنوبية برامج لدمج الذكاء الاصطناعي مع شبكات 5Gلتحسين الاستدامة.
وتبني مفهوم الاقتصاد الدائري مثل إعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية القديمة ضمن مبادرات رقمية مستدامة.
وتعد شركات النقال وتكنولوجيا الجيل الخامس عنصراً أساسياً في تحقيق الاستدامة البيئية من خلال تحسين الكفاءة، تقليل الانبعاثات، ودعم الاقتصاد الأخضرو تحتاج هذه التكنولوجيا إلى دعم من خلال السياسات الحكومية لتحفيز الابتكار وضمان توسيع نطاق استخدامها في المجالات المستدامة.




