بعض الرحلات لا تُقاس بالكيلومترات، بل بعدد الذكريات التي تبقى في القلب
سرى حسن/ بغداد
في ليل جنوبي ساكن وعند توجه العالم من حولي للنوم أكملت استعداداتي للالتحاق بزملائي في باص سينقلنا إلى #القرنة
مدينة سمعت عنها ولم أزرها لا بل حتى لم اكلف نفسي في البحث عنها في الشبكة العنكبوتية، لكن اسمها مر علي في دراستي المتوسطة ….. لا شيء عنها علق في ذاكرتي سوى انها مدينة في #البصرة و ان نهري #دجلة و #الفرات يلتقيان هناك ليكونا #شط_العرب
وسط ظلام الليل توجهنا اليها وفي فجر جنوبي هاديء تغازل فيه أصوات العصافير خرير الماء كان اللقاء.
هنا القُرنة، مدينة السحر والرومانسية .
ليست مجرد نقطة التقاء مائي بل هي نقطة التقاء الروح بالتاريخ والإنسان بالطبيعة.
اي #ڤينيسيا !!؟ اي #باريس…!!!؟ اي كوكب هذا الذي يريد ان ينافس هذه البقعة فليأتي هنا.
عند وصولنا كانت المدينة تتنفس بهدوء الليل بدأت الطيور تصحوا مع صوت الأذان لتبدأ رحلتها اليومية على ضفاف النهر
جلسنا معا من اعلى قمة سنجار إلى آخر نقطة في #الفاو وعيوننا في حيرة!! اين ننظر إلى السماء التي تحتضن اول خيوط الضوء؟ أم إلى اول شعاع سترسله الشمس إلى تلك النقطة؟ أو إلى ذلك العناق الفريد بين دجلة والفرات في هذه النقطة بالضبط!!؟
كنت أتجه إلى الشرق فأخذ حفنة من ماء دجله اشمها ثم ارتشفها كظمآن يشرب الماء بعد طول عطش، ثم اركض صوب الغرب على بعد عشرة أمتار تقريبا لأخذ حفنة ماء اخرى من الفرات واعيد المشهد، لكل نهر عبق وطعم يختلف عن الآخر !!!
ثم إلى نقطة اللقاء مجددا حيث يختلط الماء،……… يا الله شربة ثالثة من الماء وعطر مختلف وطعم جديد أظن انها تلك الشربة هي إكسير الحياة….
وجلسنا على ضفاف التقاء النهرين نتأمل في الطبيعة وجمال المنظر في انتظار اكتمال شروق الشمس كان الفجر يرسم خيوطه في مشهد يملؤه السحر
في هذا المكان تجربة روحية تنقلك بين عالمين ، الاول حيث يعيش او يحيط بك الجميع ، والثاني عند ابداع الخالق في رسم لوحة الطبيعة التي تكاد تنطق، هنا تمنيت ان يكون معي كل من احبهم. وعندما يعكس الماء الوان الفجر وسط هدوء المكان كان المشهد أشبه بلوحة فنية في متحف عالمي لا يعكر صفوها الا أصواتنا وضحكتنا التي كانت تهزّ المكان وتشعرنا بالحب لهذا البلد العراق الذي يجمعنا من كل طيف ولون ودين .
الوقوف على نقطة الالتقاء تلك شعرت انني اقف على خط فاصل بين قصتين مختلفتين فدجلة الذي جاءت من الشمال حاملة برودة الجبال والفرات الذي عبر السهول والوديان يلتقيان هنا لتبدأ حكاية جميلة هي ولادة شط العرب. ولادة يحمل عبقها نسيم النهر برائحة عذبة تاخذنا الى حيث المعنى الحقيقي لخوض تجربة جميلة ومشاهدة رائعة لوجة فرسان الحوار ودهشتهم لجمال الطبيعة التي يحملها العراق ،
وقفت أراقب وجوهم، فرأيت النهر في عيون كل واحد منهم، لكن بصورة مختلفة .
كانت وجوهم تعبر عما في قلوبهم
كنت اشاهد في عيون (أليفة ) ابنة سنجار القوية مرآة سماوية، انعكس فيها حنينها لطفولتها كانت تبتسم بصمت، كأنها تهمس للنهر بأسرار لا تخص أحداً سواه
بينما كان إبراهيم الذي جاء حاملا هم القحطانية ويستعجل العودة لحضور مراسيم جولة السنجق كان يشاهد النهر ويسبح لله مع بزوغ الشمس كانّه راهب من رهبان حكايا أسطورية قديمة جاء لنا مع موجات النهر الهادئة.
اما الآخرين فهم حكايا من الف ليلة وليلة، . أخرجوا كاميراتهم وغازلوا الشمس والفجر والنهر والشط بالتقاط الصور بشغف. لم يكونوا يصورون فقط الماء أو الأشجار، بل كانوا يحاولون أن يوثقون المشاعر واللحظات، لحظات الصمت عندما يعجز الكلام عن وصف الجمال اللحظات التي يقال فيها ان الجمال الحقيقي لا يُرى بالعين، بل يُحس.
وعند شروق الشمس بداء ابناء الشمس بالدبكة الشعبية والغناء وأنغام خفيفة خرجت منهم بصوت جماعي حتى بدا وكأن النهر نفسه يردد معهم وكان الفرح يزداد .
أجمل ما في الرحلة لم تكن فقط الأماكن، بل الروح الجماعية التي جمعتنا كأصدقاء. والحوار عن رمزية هذه الأنشطة في معتقداتنا .
ضحكنا، صورنا، تعلمنا أشياء جديدة، وكل واحد منا خرج من الرحلة وهو يحمل معه ذكرى لا تُنسى
كنا في طريق العودة، متعبين، لكن قلوبنا مليئة بالفرح. أدركت وقتها أن الرحلات لا تغيّر فقط ما نراه، بل تغيّر فينا شيئًا من الداخل تُقرّبنا من بعض، وتفتح لنا أبوابًا جديدة لفهم العالم والحياة