الشاعرة سوسن يحي قاسم : إنطلاقتي نحو أدب الشعر لم تكن مصادفة

حوار: فرح تركي العامري

شاعرة عراقية، فطمت على الشعر والادب، فوالدها من اهم الادباء في محافظة كركوك، امتلكت أسلوبها الشعري الخاص، الذي تميز برمزية معناه ونضج مفرادته،  صدر لها مشاعر صماء ودموع السوسن،  مع أنتظار القادم من الانجازات الادبية دون تردد،  كتبت المقال والنقد والقصة وتعنى بمواكبة الادب بكل صنوفه، وبغية التعرف على هذه الشاعرة المميزة اجرينا معها هذا الحوار،  واستجابت متكرمة لترد برحابة وصدق ممتزجان بالصدق والعفوية وهذا نص الحوار: 

*اولا في البدء نود ان نرتوي بكلمات منك تتكلمي بها عن نفسك، كونك أم ومربية وشاعرة وسط هذه المسؤولية كيف ترين نفسك؟

-بدءا لكي أكون دقيقة بالرد على ثلاثية السؤال لكوني اما ومربية وشاعرة، فأن بدأنا بفحوى ألأمومة فذلك هو حلم وامل وطموح كل فتاة،  فهي سنة حياتية متبعة ومنذ نشأة الخلق فمن الطبيعي لو حضر الطموح عند الفتاة فتحلم لتكون أما فالأمومة اعدها عشق  والحمدلله  فنلنا ورزقنا برزق الامهات وتذوقنا طعم الامومة الحقة…والمرتبطة  بعملي التربوي..وتعاملي مع الأطفال كمربية فقد سلكتُ درباً اعتبرهُ رسالة مفعمة بالخير واني فخورة بحملها وبإمانة لأن أسسها تقوم على تعليم الف باء التعليم ألأساسي حيث سلكت طريق والدتي المربية الكبيرة (رحمها الله) وفي نفس مجالها التربوي فسعادتي كبيرة وانا آخذ على عاتقي مهمة التعليم مع فئة مبتدئة لتتعلم أبجدية الحرف والتهجئ والقراءة، علما فان إختصاصي التعليمي والتربوي هذا فهو يعد من اصعب انواع المهام والعلوم  لانه يقوم على الاعداد والتأسيس والتعليم الأولي، فتعليم وتلقين  كتابة وقراءة الحرف بالنسبة للمبتدئين والطالبين لأسس المعرفة يتطلب جهدا وصبرا وتحملا كبيرا من قبلنا مع فئة بالكاد تنطق أسمها، لذا فأنا اكون بقمة السعادة لما ارى جهدي لايذهب هباءا برحلة تعليمي للصغار… أما كوني شاعرة فذلك لا أعد امره غريبا او طارئا علي لاني وبالأصل نتاج عائلة معنية ومهتمة بالأدب والثقافة  وهذا على مستوى الوالدين والامر نفسه ينطبق على الأقارب، فقد أستلهمت من الوالد رحمه الله أسس ومبادئ ومعاني الادب كونه أديبا معروف محليا وعراقيا.. اما أدب الشعر فلا اغالي لو قلت لمست بداخلي القابليات الفاعلة لكتابة ونظم الشعر كما وقد أعانني على ذلك رصانة ومتانة لغتي العربية والتي هي إختصاصي اكاديميا وقد ساعدتني كثيرا في إنطلاقتي للعوم نحو بحار مملكة الادب الشعري ناهيك عن ألالهام الذي وهبت به وايضا مايحيط بي من وحي شعري منذ نعومة اظفاري،، فهو يلهمني بالفكرة وبخصوص اي نص، كما وأحب ان انوه عن اسلوبي الشعري الذي يقوم على منطق واقعية كتابة الشعر ولذلك لا اتردد من وصف مقاطعي مقترنة بعنصر الواقعية في حلوها او مرها إضافة للاجواء المحيطة بي وما يأتي عنها من منغصات وآهات…

* الدمع غال فكيف أذن كانت تلك الدموع من السوسن؟ 

– تنهمر  بوجع دموعي ، فلعلها تكاد تكون ليست مجرد دموع،بل  تهطل كأمطار،  دائما ما أشعر بها تهطل معجونة بالدم! ذلك لانها مخاض آهات دفينة وإنكسارات مستديمة ماعادت تتوارى عني أو تفارقني، فأحيانا اتحسسها مثل أرث وقد ورثته عن أسلافي وقد كتب على ان أتحمل نفقاته وأعباءه، فعلى أثر ذلك فلا ريب لما أقتحم منها، فتارة تهطل دموعي من أثر الفقد المتوالي الذي اصبح يقتحمني من دون إستئذان او حتى سابق إنذار وتارة اخرى يداهمني عبر ذكرى رجع بعيد فيخترق حواسي ومشاعري موقظا بداخلي مآسي حقبة زمنية راحلة، وكذلك  ففاصل ألدمع المستديم يحدث جراء مواقف تسبب فينا الأذى،، لتضرب بنا بقساوتها وهذا هو نتاج منغصات حياتنا اليومية.. لكن فبالنهاية فقد تيقنتُ  وآمنتُ بحقيقة واحدة اصبحت أوصف موقعة دموعي مثل حلف او إجتماع تم بين الدمع والدم ولدرجة صرت أشبه رفقتهما وكأنهما توأماً روحي مثلهما مثل حال النهرين الخالدين في طريقة لقاؤهما ألاخير فأقصد به إلتقاء دجلة بالفرات والاجتماع بمصبهم الاخير.

* صدر لك كتاب شعري بعنوان “مشاعر صماء”  السؤال، هل صمم المشاعر يؤذي؟

مشاعر صماء لم تأتي من فراغ قطعا، ولا هي مجرد كلمات قائمة على مقاطع متبناة من سلسلة بنات ألأفكار او غيرها ولا يمكن لظهور عنونتها لاجل الكتابة والنشر او لكي تأخذ عنواناً لمطبوع معني بأسم شاعرة فقط، فان شئت معرفة حدثها وموقعتها فمن المؤكد فقد عنيت برحلة تلاقح مع الذات المفجوعة بمفردات الوجع مابين  الراحل والحاضر منه، هي موقعة حصلت كنتاج لفواصل مشاعر ثكلى نالت مانالت من السخط والمواجع والانتكاس والمشاهد الدامعة جراء ألأسى والألم. أما وصفي لها بالصماء فليس بالضرورة ان تأخذ مأخذ الصمم بعينه وهيئته فالعناوين والأوصاف مامن ضير ابدا لو اخذت تعبيرا مجازيا فالمجاز وارد بالأدب وخصوصا في أدب الشعر.. فمشاعرنا ولما تماشت وأنسجمت مع منطق تكون فيه صماء فمؤكد كان قد وقع بأفقنا حدثا إضطرنا للتحليق بفضاءات اجواء إضطرارية حتى ادت  لحالة الصمم وذلك ابتعادا عن ضجيج المنغصات وما يحيطنا من سلب لم نستطع التآلف والانسجام معه وهذا ماجعلنا نلجأ لجو الصمم!!.وعدم السماع او السماح للمشاعر ان تستجيب مرة أخرى،، لكن القراء والمتلقين المغرمين بالقراءة والنقد ومن يسبر اغوار النص الشعري من كامل مقاطعه الصورية ومن يمتلك به من قابلية الصبر والأبحار إلى مابعد أسرار الخطوط الخلفية والى ماورائيات الخطوط النصية للمشاعر الصماء فبالنهاية سيرى كيف سيتمكن من فك شفرة المقصود بالصمم وبذلك فأنه  سيخلق من سر معناه عنوان بليغ يتحدث عن فحوى لغة ناطقة ولدرجة سيشعرك وكأنه كان يرافقك ويراقبك في خطوط كتابة النص أي وكأنه كان  يسمع مشاعرا ناطقة ولم تكن صماء أبدا!! ولكنها ماعادت تستمع لأذى المشاعر ولذلك اتمنى من القارئ الابحار بحذر وبعناية نحو تلاطم امواج هذه المشاعر وحينها سيقرأها ويسمعها ناطقة بآية شعرية وبلغة صريحة ليست بكماء  قطعا…وان اصيبت بالصمم أما طبيعة الاذى الذي ممكن أن تسببه حالة الصمم على المشاعر فهذا واقع حال وأمره وارد، لكن فلما يحضر مثل هذا الجو المؤذي فبمقابله إذن يحتم علينا ان نحظى بإستراحة لذات شخصيتنا ولذات مشاعرنا. وهنا اود التنويه على موضوع معني بالمشاعر، فأحيانا فالمشاعر نفسها تستحق العقاب!! فتبادر بعقابها صمتا. لذا فلأنها جاءتك بالوجع وكانت سببا لتعرضك للأذى إذن فقد إستحقت عقابك لها. لكن فان عددنا العقاب تبريرا ففي كل الاحوال فرحلة مشاعر صماء أبقى انظر نحوها رحلة تحليق لمست فيها عالم إقرار حقيقي للذات المتوجعة والمنكوبة بآهات لاتقبل الفراق والانفكاك. لهذا فرغم قسوتها وآهاتها وأنينها فأنا أكن لها بالشكر والتقدير لأنها حلقت بي نحو اجواء حقا إشتهيتها بصدق ولاجل ذلك فقد كافأتها بالصمم كي لا أزعجها بضجيج إنكساراتي وأنين اوجاعي وموروثات فقدي المستديم…

* ما هي نظرتك عن ممارسة الادب، هل هي فطرة مكتبسة ام هناك دخل للوراثة فيها؟

– كنت قد ذكرت فجيناتي هي بالأصل نتاج نشاة بيت أدبي متذوق ومهتم وعامل بالأدب فقد ترعرعت بكنف أب أديب لم يبخل علي بضخ علم أدبه، لكن فمع ماحظيت به من إهتمام العائلة أدبياً إلا انه لايمكن ابدا إلغاء طبيعة الفطرة المكتسبة ولذلك أؤيد مسألة  الوراثة فعالم ألأدب يمثل عندي جينات موروثة فعلى أثر ذلك أعد إنطلاقتي نحو أدب الشعر لم تكن مصادفة قدر ما إنها من المكتسبات إضافة بالذي آمنت به بما لدي من قابليات فهي من أكدت ايضا على ملكة النفس الشعري لدي والذي حل متمترسا برؤى المفردات النادرة واللغة ألمتينة وعهدتي بما امتلك من أدوات ومسببات كتابة الشعر ناهيك عن مسألة الثقة بنفسي لأكون مؤهلة ومقتدرة لأكون شاعرة…

* قصيدة قريبة الى السوسن؟

– زقاق الانتظار

وهي أول قصيدة كتبتها عن الم فقد اعز انسان   

انتظرتك

رغم فراغ اليأسِ

الذي غمسته

نوافذُ الفراق

في صخبِ

الردى

انتظرتك

رغم انين

ازقة.. الليلِ

وحنينُ

المسافاتِ

المرتّجِ باللظى

انتظرتك

رغم وقوع

رسائلُ شوقي

أسيرةً

تبعثرها قهقهات

العِدا

انتظرك

رغم احتضان

رصاصاتِ الغدر

لشرفةِالسوسن

المرصع بالرؤى

انتظرتك

وسألتُ عن

عطرك

أمهات الشهداءِ

ودماءٍ سالتْ

من عيونِ

دجلةَ

كالندى

انتظرتك

حتى أعلنَ

المذيعُ احتراقَ

اخر نخلةٍ

خلفَ أسوار

الصدى

* كيف يؤثر الفقد والحزن على نفس الشاعر وتدفق الشعر في مزاجه؟  هل تكتبين وأنت متالمة؟

– سألتني عن الفقد ومؤثراته على الشاعر. فهلا عرفت فمع كامل صوره المأساوية الا ان له سبقا في وضع اكون به شاعرة، فهو مثل ومازال يمثل لي عنصراً مهما من  مسببات كتابة الشعر. فالفقد صرت ارى من دون حضوره وإجتياحاته لأعمالي الشعرية وكاني افتقد لشيء مهم! لذا لاعجب لما يداهمني مثل زائر ثقيل قدم لأخذ وسلب اعزة مني.. نعم فالفقد أصبح ملهمي وأكثر وبحيث راح يشاركني بتوئمة مع وحيي الشعري ولدرجة صرت اشعر وكأن الوحي الشعري والفقد وقعا معي عقد إتفاق إشترط على ان يكون للصورة الفقدية داخل النص الحصة الأكبر لذا فجميع الصور النصية رحت أسقيها من مرارة الفقد نفسه.. وعلى هذا الأثر فمن مرارة الفقد اصبحت لي بصمة شعرية ومن حيث اصبحت ملازمة لي كصفة لشخصيتي الأدبية.

بخصوص بصمة شعر الفقد لدي فقد كتب عنه تحديدا قراءة نقدية تناولت اسلوبي في عملية تسخير حالة الفقد وطريقة تجسيدها داخل النص الشعري.. اما مايخص طبيعة نظمي للشعر وفي وضع اكون فيه متألمة فبلا شك فقد عملت تحت ضغط الألم لكن وللامانة فأن اكثر مانظمت فقد جاء بوضع ثائر وغاضب ولذلك فطابع كتابتي للشعر يتأقلم مع كل الاجواء مؤلمة او غاضبة فالشاعر يكتب وفقا لما تمليه مشاعره ولحظته فالشاعر ابن لحظته، وهنا اود ان اقول فجمالية الشعر تكتمل بمعاني الالم وبدونه سيبدو مثلوما…

* من هم اكثر الشعراء الذين آثروا بشكل او بآخر على أسلوبك الشعري؟

– لقد كنت أقرأ كثيرا للشاعرة العراقية نازك الملائكة وكذلك الشاعر بدر شاكر السياب ومنذ نعومة اظفاري ولكون قصائدهما كانت من ضمن منهج كتاب الأدب العربي الذي درسته في اختصاصي في اللغة العربية.

* الشاعرة سوسن يحيى قاسم،  كيف تتعاملين مع المنصة في المهرجانات، هل تجدين صعوبة ام انها مساحة رحبة لك ؟

– هنا تكمن معضلتي،، لاني أشعر بالرهبة في ظهوري على المنصة نوعا ما ، أتقبل النقد وخصوصا لما يكون بناءا يراد به التقويم فحين تنقد اعمالنا فهذا من شانه وضعنا امام مشؤولية اكبر تذهب بمطالبتنا بالارتقاء للأفضل.. اما ان ياتي النقد لاغراض الهدم والتقليل فهذا يعد عملية تحطيم وإحباط للشاعر ولربما يؤدي لانكساره او حتى اعتزاله، لذا نامل النظر من النقاد للعملية النقدية على كونها فنا من الفنون التي تسمو بالشعر وبالشاعر وان تبتعد اجواءها عن مقاصد الاحباط او لغاية اخرى!. اما ان كان النقد تقويميا فذلك اروع مايمكن ان يقدمه النقد للشعر ولصاحبه  ولذلك فكشعراء علينا تقبل النقد والاخذ به. علما فحتى لانبخس حق النقاد فهنالك نقاد ابحروا على مراكب شعري وبقراءات نقدية متعددة ولم يشروا لمثلمة زنما علي العكس اشادوا بأسلوب شخصيتي الشعرية وبانسيابية مقاطع نصوصي وبطريقة المسك بالادوات فاكدوا على المسببات التي تدفعني لنظم النص وبامكان القارئ مراجعة وقراءة ماكتب عن نصوصي من قراءات فكرية ونقدية.

* من أول من دفعك للخطو في مشوارك الأدبي؟

– والدي واسوتي الغالي رحمه الله كان يشجعني ويحثني على الكتابة دوما إذ كان اديبا وكاتبا عسكريا وصحفيا مرموقا فهو اول من سعى لتأسيس اتحاد الأدباء والكتاب في مدينة كركوك.

* قصيدة خاصة بلقائنا هذا

– قصيدة (محبرة القوافي)

لكَ  ُتكتب العينُ بأنهارِ عزٍ

من  بري الدمعِ والحنين

بمحابر من وهادِ الثكالى تنهمرُ

من مآقي الرافدين

تتكَحَّلُ بذكريات كغيمةٍ لاجئةٍ

من نسيج البوحِ والانين

وأجفانٍ تلونُ السطور

تصدحُ  بمحبرةِ

بهدير الشجنِ

 كعطر النرجسِ ثمين

وتحرر عتمة الخيالِ

كأساطيرِ العذارى

  بحدام الصبرِ

 من ارتقاب السنين

 ومقلٌ تكابدُ الوسنَ

 سُرِقت جهراً

من  غياهبِ البائسين

كانتْ  تغمرُ  حلكةً

بضبابِ الاوهامِ وتقتحمها

بضحكات السوسنِ

ونظرات الياسمين

تُكبَّلُ القوافي في بقيع الملاذِ

وتغرقُ الحرفَ في موج لايستكين

وهي تفدي وطنَ الامجادِ

بنبض تاهَ في

ملاذ الحِزرِ الأمين

 قدْ غابَ في صدى

الإلحانِ  كهديرٍ بين

 الخافقين

كقصيدةِ غيمٍ تومئ

وتختبئ بخاصرةِ الشموسِ

حتى لايستبيح

الذل ُ.. سخاء انهاركَ  ياعراق الصابرين

وتسمو  عزاً عرائش

أقماركَ  قبيلَ أوانَ المحاقِ

 كجرأةِ ابياتِكَ

 تسمو بعلياءِ

الثائرين

سأرحلُ عن وجوهِ الخائنين

واكابدُ جروح الليالي لوحدي

 بصبر ٍعنيدٍ  وعزمٍ متين

واصونُ صممَ الفؤادِ

 من مسامعِ الصدى

من يأس  دفين

لأرويكَ  اغنيةً لأوردة الفراتين

  واُلهِمَ روحي سِفراً

 من وحي اسرارك

لدجلةِ  الخيرِ

كعبقٍ من  يقين

زر الذهاب إلى الأعلى