التفكير الإيجابي: مهارة أم خدعة؟

هدى الشمري / كربلاء المقدسة

في زمنٍ تتسارع فيه الضغوط وتزداد فيه التحديات اليومية، تروج الكثير من الكتب، والدورات، والخطابات التحفيزية لمفهوم “التفكير الإيجابي” باعتباره مفتاح النجاح والراحة النفسية. لكن، هل هو حقاً كذلك؟ أم أن ما يُباع تحت هذا الشعار مجرد وهم مغطى بالكلمات الوردية؟

التفكير الإيجابي كـمهارة:

في جوهره، يقوم التفكير الإيجابي على تدريب العقل على رؤية الفرص بدل العقبات، والتركيز على الحلول لا المشاكل. وهي مهارة نفسية وعقلية، يمكن أن تساعد الإنسان على تجاوز الأزمات وتقوية المناعة النفسية، لا سيما في البيئات الصعبة.

يؤكد علم النفس الإيجابي أن الأشخاص المتفائلين أقل عرضة للقلق والاكتئاب، وأكثر قدرة على التكيف، بل وحتى أكثر إنتاجية في العمل. فالتركيز على الجانب المشرق من الواقع، مهما كان بسيطاً، قد يفتح باباً للأمل والعمل.

حين يتحوّل إلى “خدعة”:

لكن الوجه الآخر للصورة لا يقل أهمية. في كثير من الأحيان، يُفرض التفكير الإيجابي قسراً كأن يكون “تفكيراً إيجابياً ساماً”، يُجبر الناس على كبت مشاعرهم الحقيقية، وإنكار معاناتهم، بحجة أن “كل شيء سيكون على ما يرام”!

هذا النوع من التفكير قد يحوّل الألم الحقيقي إلى عار صامت. بل وقد يجعل الإنسان يشعر بالذنب لمجرد شعوره بالحزن أو الإحباط، لأنه لم يكن “إيجابياً بما فيه الكفاية”. وهنا يتحول التفكير الإيجابي من أداة تعافي إلى قناع يخفي هشاشة الإنسان.

التوازن هو المفتاح:

التفكير الإيجابي ليس خدعة، لكنه ليس وصفة سحرية أيضاً. هو مهارة تحتاج إلى وعي، وتوازن، وقدرة على الاعتراف بالمشاعر السلبية قبل تجاوزها. فالتفاؤل الواقعي هو ما يحتاجه الإنسان: أن يرى النور في نهاية النفق، دون أن ينكر ظلامه.

في عالمٍ تتنازعه التحديات والضغوط، يبقى التفكير الإيجابي أداة ثمينة، إذا ما استُخدمت بوعي واتزان. فهو ليس إنكاراً للواقع، ولا تجاهلاً للألم، بل نظرة أمل تدفعنا للاستمرار رغم العثرات. وبين من يراه مهارة تُكتسب، ومن يشكك فيه كخدعة مريحة، تبقى الحقيقة في الوسط: نحن بحاجة إلى تفكير إيجابي صادق، لا يُخدر الألم، بل يعترف به ويبحث عن مخرج منه.

في النهاية، لنتذكر أن الإيجابية لا تعني أن نبتسم رغم الألم دائماً، بل أن نملك الشجاعة لمواجهته دون أن نفقد الأمل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى