السندات الخضراء دعامة الاقصاد (صديق البيئة )

معتز حكمت السعد

شهدت الارض عبر تاريخها الذي يمتد إلى أكثر من 4.6 مليار سنة  تقلبات مناخية جذرية شكلت تطورها الجيولوجي والبيولوجي في مراحلها المبكرة،  كان الغلاف الجوي للأرض غنيًا بالغازات الدفيئة مثل ثنائي أكسيد الكربون (CO₂) والميثان (CH₄) مما خلق ظروفًا مناخية حارة وغير مستقرة  مع مرور الزمن مر الكوكب بفترات متناوبة بين العصور الجليدية الشديدة والعصور الدافئة مما أثر بشكل كبير على تشكيل القارات والمحيطات وتطور الحياة.

 ومع   ذلك  التغيرات المناخية  التي حدثت في الماضي اختلفت جذريا  عن التغيرات المناخية التي نشهدها في الوقت الحاضر لكونها حدثت  بشكل طبيعي فان التغيرات الحديثة تعزى بشكل رئيسي الى  النشاط البشري لاسيما بعد الثورة الصناعية وزيادة النمو السكاني السريع الذي تطلب المزيد من الإنتاج والاستهلاك مما أدى ذلك الى تفاقم تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون في الجو من 280 جزء بالمليون قبل الثورة الصناعية الى 420 جزء بالمليون بعد الثورة الصناعية مطلع العقد الأول من القرن الحالي. 

وعليه ان ظاهرة التغير المناخي أصبحت حقيقة واقعة بات على المجتمع الدولي التعامل معها بجدية تميزت التغيرات المناخية عن المشكلات البيئية الأخرى بانها عالمية الطابع الا ان تاثيراتها المحلية تكون اشد قد ساهم هذا بلا شك في الارتفاع الملحوظ في درجة حرارة الغلاف الجوي وارتفاع درجة حرارة المحيطات والى الخسائر الناجمة عن الأحداث المناخية المتطرفة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة اذا استمرت الانبعاثات بالنمو بالمعدل الحالي فان العالم سيواجه عواقب وخيمة كارتفاع درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة وتهديد الامن الغذائي والفيضانات المتكررة وموجات الجفاف القاسية   وفقدان التنوع البيولوجي واثار اقتصادية مدمرة .

وعلى الحكومات والشركات والمؤسسات ان تتخذ موقف تجاه هذه التحديات  وتلتزم بالاتفاقيات التي تم وضعها في اطار الحد من التغير المناخي لانه من المؤكد جدا” ان تشتد حدة هذه المظاهر وتتزايد خلال العقود القادمة ما يمثل تهديدا مباشر للعالم ككل والمجتمعات والدول الضعيفة بشكل خاص .

وفي مواجهة هذه التحديات برزت أدوات مالية مبتكرة مثل التمويل الأخضر والصيرفة الخضراء  كحلول فعالية لتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع مستدامة خضراء تسهم في خفض الانبعاثات وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

وقد بدأت المؤسسات المالية الدولية والبنوك المتعددة الأطراف بإنتاج أدوات مالية لتوفير الموارد اللازمة لمواجهة والتخفيف من حدة الآثار السلبية للصدمات المناخية وتمثل السندات الخضراء احدى هذه المنتجات المالية الحديثة التي حظيت باهتمام متزايد خلال السنوات الأخيرة من اجل توفير الموارد اللازمة للتكيف مع المناخ والتخفيف من اثاره السلبية السندات الخضراء هي أدوات مالية تم تطويرها حديثا مع أهداف محددة لتحسين التأثيرات البيئية والرفاهية الاجتماعية على غرار الأوراق المالية التقليدية ذات الدخل الثابت يمكن إصدار سندات خضراء لزيادة رأس المال لتمويل الاستثمارات ذات البعد البيئي إلى جانب ذلك تهدف السندات الخضراء إلى تحقيق فائدة بيئية إيجابية مثل تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومنع التلوث.

وقد ساهمت الاتفاقيات الدولية مثل بروتوكول كيوتو (1997) واتفاقية باريس للمناخ (2015) في تعزيز هذه الأدوات من خلال وضع أهداف ملزمة لخفض الانبعاثات وتشجيع آليات مثل تداول الكربون وتمويل المشاريع الخضراء.

على سبيل المثال أدخل بروتوكول كيوتو آليات مثل تداول الانبعاثات وآلية التنمية النظيفة  مما سمح للدول والشركات بتحقيق أهداف خفض الانبعاثات من خلال تمويل مشاريع خضراء في الدول النامية كما ساهم البنك الدولي في تطوير سوق السندات الخضراء حيث تجاوزت إصدارات السندات الخضراء 2.5 تريليون دولار على مستوى العالم حتى يناير 2023 وفقًا لتقرير حديث صادر عن البنك الدولي مما يعكس تزايد اهتمام المستثمرين بالأدوات المالية المستدامة .

وقدظهر الاقتصاد الأخضر استجابة لازمات بيئية واقتصادية واجهت العالم وبالأخص ازمة المناخ التي كان من نتائجها زيادة الانبعاثات وتفاقم مشكلة الاحتباس الحراري ومن هذه الازمات الازمة المالية التي اجتاحت العالم سنة 2008 والتي تعد أسوأ ازمة مالية منذ الكساد الكبير واثرت بشكل سلبي  على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بالعالم إضافة لانخفاض فرص الدخل والازمة الغذائية التي شهدت ذروتها في سنة 2008 -2009 بسبب ارتفاع  سعر السلع الغذائية الأساسية الناجم عن زيادة تكاليف الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة وبروز ازمة المناخ التي يتطلب جهود دولية مكثفة للتخفيف من اثارها ويهدف لتحقيق التنمية الاقتصادية عن طريق مشاريع خضراء واستخدام تكنولوجيا جديدة في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة  ويدعو الى تغيير من سلوكيات الاستهلاك غير المستدامة وتخضير القطاعات القائمة وبتحقيق هذه الأهداف سنقلل من استهلاك الموارد وتوفير فرص عمل وفي هذا الاطار تسعى الدول لاطلاق اقتصاد مبني على استراتيجية الانتقال الى اقتصاد اخضر مع الاخذ بنظر الاعتبار اربع محاور أساسية : ازمة الطاقة وارتفاع سعر الوقود الاحفوري الذي أصبحت مخزوناته مهددة بالنضوب ودور البنوك في توظيف الاستثمارات الخضراء وسياسات التخفيف من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري 

ومن اهم المقترحات التي تدعم التحول نحو التمويل الاخضر والسندات الخضراء :

1. الاستفادة من وسائل  الإعلام المختلفة لتوعية الناس حول موضوع الاقتصاد الأخضر والتمويل الأخضر والسندات الخضراء .

2. المشاركة بالحملات التطوعية للاسهام بالتوعية نحو موضوع الاقتصاد الأخضر والسندات الخضراء .

3. ممكن المشاركة في الحملات التي تطلق برعاية البنك المركزي العراقي ورابطة المصارف الإهلية مثل مشروع البيت الأخضر .

4. نوصي بعمل توعوية من قبل المتخصصين بالبيئة للمصارف التي تدعم موضوع السندات الخضراء والتمويل الأخضر لنشر ثقافة الاقتصاد الأخضر في مواجهة التغيرات المناخية مثل مصرف النهرين الإسلامي في العراق .

5. الاستفادة من التحول الرقمي لدعم الاقتصاد المصرفي وهذا يصب في تقليل الانبعاثات ومواجهة التغيرات المناخية حيث يوجد مصرف رقمي واحد في العراق يسمى FIB.

6. ممكن دعم النشاطات اللاصفية التي يقوم بها طلاب الاختصاصات البيئية  عن طريق عمل بوسترات وبروشورات ورقية توزع على الناس في مكانات تعنى بالثقافة والمعرفة في المحافظة.

7. تشجيع الجامعات ومراكز الأبحاث على اجراء دراسات وابحاث حول تأثير التمويل الأخضر على التنمية المستدامة وادراج التمويل الأخضر كجزء من مناهجها الدراسية خاصة في كليات الاقتصاد والاختصاصات  البيئية .

8. نوصي بانشاء مصارف متخصصة بهذا المجال مثل ( المصرف الإسلامي الأخضر) في العراق الذي هو حاليا قيد الانشاء بعد استحصال الموافقات الرسمية وهو الوحيد المختص بهذا النوع من التمويل .

 

زر الذهاب إلى الأعلى